التخفيف عن أبنائنا وأحفادنا من طلاب الثانوية العامة لا يختلف عليه أحد، وهو مطلب دائم على مدى سنوات طويلة، ومع كل قرار وإجراء تستمر المطالبات لتوفير أقصى درجات الأمان النفسي والعلمي للطلاب.
وفي مثل هذه الأمور من المهم أن يكون هناك حوار مجتمعي للخروج بأفضل الحلول، ومن هذا المنطلق سألت عن خضوع قرارت وزير التربية والتعليم الأخيرة لحوار مجتمعي حقيقي من عدمه، وقد طرحت سؤالي على الزميلة والصديقة الكاتبة الصحفية إيمان رسلان، وأحد أهم صحفيّ مصر في مجال التعليم عن خضوع تغييرات الثانوية العامة لحوار وطني، كما وزير التربية والتعليم، وقد جاءت إجابتها نصًا، "أنا شاركت بالحوار الوطنى بفاعلية ولم يناقش به الثانوية العامة بالتفصيل"
وهذا يعني أن ملف الثانوية العامة ظل على هامش الحوار في ملف التعليم، وجاء قبل أن يتم إختيار الوزير الجديد المتربع على عرش التعليم في مصر، وربما لم يشارك فيه الوزير أيضا، وأعتقد أن الوزير ومن حوله إنفردوا بفرض أفكارهم الواردة في قرارات تعديلات الثانوية العامة دون أي إستماع لرؤي وأفكار من يعنيهم الأمر.
وما يثير الشكوك حول القرارات صدور ما يمكن أن نسميه تمهيد لها قبل ساعات من الإعلان عنها، وذلك من خلال حديث مغلوط للإعلامي تامر أمين، بشأن (الإستهزاء من دراسة علم النفس والمنطق والتاريخ والجغرافيا، ومواد أخرى)، بل وصل الأمر لمن يتخرجون من حاملي شهادات تلك المواد، بقوله أخرتها "مدرس"، وبغض النظر عن إعتذاره فيما بعد يظل الخطأ خطأ.
من الواضح أن القرارات تجاهلت كل خبراء مصر في التربية والتعليم، ولم تخضع لأي دراسة عن حجم تأثيراتها السلبية على توافقها مع متطلبات مختلف الوظائف في الداخل والخارج، خصوصا مع تقليص اللغة الأجنبية الثانية، في مسعى إلى تجهيل المجتمع في وقت يسعى العالم لتدريس مختلف اللغات، لزيادة المعرفة بثقافة الغير، والإنفتاح على العالم، وتعظيم دور السياحة بإعتبارها أهم وأسرع مورد للنقد الأجنبي، وفي ظل دولة تعاني من نقص حاد في تدفقاتها النقدية من الخارج.
الأزمة التي تشير إليها قرارات الوزير أنها جاءت بعد حوالي شهر من توليه منصبه، وهو ما يطرح سؤالاً أو تساؤلات مهمة حول الفترة الزمنية التي جرت خلالها حوارات من المفترض أن تكون مهمة، وتأخذ وقتها، مع الإستماع لمختلف الأراء حول قضية مهمة تهم كل المصريين ومصر كدولة.
ولفتت نظري عبارة قالتها الزميلة إيمان رسلان، حول مخاطر غياب تدريس العلوم الإنسانية مثل الفلسفة والمنطق، وعلم النفس في نشر الفكر الإرهابي، في ضوء الدراسات التي تؤكد أن الفكر الإرهابي ينتشر بصورة أكبر بين طلاب الكليات العلمية الذين لم يدرسوا العلوم الإنسانية، وهذا يعني أن قرارات الوزير تصنع مفرخة للفكر الإرهابي.
ومن مخاطر قرارات الثانوية العامة هو غياب خضوعها للدراسة فيما يتعلق براغبي الدراسة خارج مصر، وهل تقبل فروع الكليات الأجنبية طلاب لم يستكلموا مقررات محددة؟، ونفس الشئ ينطبق على جامعات الدول العربية، والأجنبية؟.
صحيح أن البعض يرى أن التغييرات الجديدة من شأنها إصلاح نظام الثانوية العامة، لكن هناك من يرى أنها إفساد للتعليم في بلادنا، وهو ما أدى إلى إثارة قرارات وزير التربية والتعليم جدلاً واسع النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد ورافض كليا لها.
والسؤال الذي يطرح نفسه .. لماذا العجلة في تطبيق نظام في غضون شهرين من بدء العام الدراسي، ولماذا فكرة (سلق البيض) التي يصر عليها الوزير ومن حوله، وكم يكلف التطبيق السريع خزينة الدولة خصوصا أن بعض المناهج سيطالها التعديل، وإعادة طباعة مناهجها، مع التوقع بأن يكون تم إنجاز طباعة بعضها؟..
يا سيادة وزير التعليم مهلاً على الناس، وشارك من هم أهل خبرة ومعرفة في قراراتك، فالثانوية العامة قضية كل بيت وقضية وطن، وتوجيه من لفظ (توجيهية).
---------------------------
بقلم: محمود الحضري